
الرغبة الجنسية أثناء الحمل

المقدمة: رحلة الحمل بين التغيرات الجسدية والعاطفية
تمر المرأة خلال رحلة الحمل بسلسلة متواصلة من التحولات العميقة التي تطال كيانها بالكامل. وتعد التغيرات في الدافع الجنسي واحدة من أكثر الظواهر التي تثير التساؤلات والفضول. فهل زيادة الرغبة أو انخفاضها هي علامة مبكرة على الحمل؟ والإجابة ليست بالقاطعة، إذ تختلف التجارب من امرأة إلى أخرى بشكل كبير، ولكن ما يجمعها هو أن هذه التغيرات هي استجابة طبيعية للغاية لثورة الهرمونات والأحاسيس الجديدة التي تجتاح جسد الحامل وعقلها.
الفصل الأول: العوامل الهرمونية المحركة للرغبة الجنسية
يُعتبر النظام الهرموني هو قائد الأوركسترا خلال فترة الحمل، حيث تقوم هرمونات مثل البروجسترون والإستروجين بدور رئيسي في تنظيم العديد من الوظائف، بما في ذلك الدافع الجنسي.
-
دور هرمون البروجسترون: يُعرف هذا الهرمون بهرمون "الاستقرار" الذي يرتفع مستواه بشكل هائل خلال الحمل للحفاظ على بطانة الرحم ودعم الجنين. ومع ذلك، فإن من آثاره الجانبية المحتملة هو الشعور بالإرهاق والتعب الشديد، وتقلبات المزاج، وفي كثير من الحالات، انخفاض ملحوظ في الرغبة الجنسية، خاصة في الأشهر الثلاثة الأولى.
-
تأثير هرمون الإستروجين: على النقيض من البروجسترون، يميل هرمون الإستروجين إلى تعزيز الرغبة الجنسية. فهو يحسن من تدفق الدم إلى منطقة الحوض، مما يزيد من حساسية الأعضاء التناسلية وقد يعزز من الشعور بالاستثارة. وقد تشعر بعض النساء بموجات من الرغبة المتزايدة في فترات معينة من الحمل، وخاصة في الثلث الثاني منه، عندما تبدأ أعراض التعب والغثيان المبكرة في الاختفاء.
-
تفاعل الهرمونات: إن التوازن الدقيق بين هذه الهرمونات هو الذي يحدد الحالة المزاجية والرغبة للمرأة. وقد يؤدي التذبذب المستمر في مستواها إلى تقلبات سريعة وغير متوقعة في الرغبة الجنسية، مما يستدعي فهمًا وصبرًا كبيرين من كلا الشريكين.
الفصل الثاني: العوامل الجسدية والنفسية المؤثرة
إلى جانب العوامل الهرمونية، ثمة مجموعة من العوامل الجسدية والنفسية التي تلعب دوراً حاسماً في تشكيل الرغبة الجنسية أثناء الحمل.
-
التغيرات الجسدية الملموسة:
-
تورم وحساسية الثديين: من الأعراض المبكرة والشائعة جداً للحمل هو زيادة حجم الثديين وزيادة حساسيتهما لأي لمسة، مما قد يجعل المداعبة مؤلمة وغير مرغوب فيها لدى الكثيرات.
-
الغثيان الصباحي: الشعور المستمر بالغثيان والتعب، خاصة خلال الأشهر الأولى، يمكن أن يطمس أي رغبة في الجماع، حيث تكون الأولوية للراحة والاسترخاء.
-
زيادة الإفرازات المهبلية والتدفق الدموي: زيادة تدفق الدم إلى منطقة الحوض تؤدي طبيعياً إلى زيادة الإفرازات المهبلية، وقد تزيد من الإحساس بالاستثارة عند بعض النساء، بينما قد تسبب إزعاجاً وعدم ارتياح عند أخريات.
-
-
الحالة النفسية والعاطفية: لا يمكن فصل الجسد عن النفس. المشاعر المختلطة من الفرح، القلق، الخوف من المجهول، والتوتر بشأن صحة الجنين، كلها عوامل تؤثر بشكل مباشر على الرغبة. المرأة التي تشعر بالدعم العاطفي والاستقرار النفسي من قبل شريكها تكون أكثر قدرة على تجاوز هذه التقلبات.
الفصل الثالث: الرغبة الجنسية عبر مراحل الحمل الثلاث
لا تكون تجربة الرغبة الجنسية موحدة خلال فترة الحمل، بل تتغير مع تقدم الأشهر واختلاف حالة المرأة.
-
الثلث الأول من الحمل (الأسابيع 1-12): غالباً ما تكون هذه الفترة هي الأصعب بسبب هيمنة أعراض التعب، الغثيان، والتقلبات المزاجية الحادة. لذلك، فإن انخفاض الرغبة الجنسية هو السمة الغالبة في هذه المرحلة.
-
الثلث الثاني من الحمل (الأسابيع 13-28): غالباً ما يشار إليه بـ "فترة شهر العسل". حيث تختفي أو تتراجع كثير من أعراض الأشهر الأولى، وتعود الطاقة إلى الجسم. يشعر الكثير من النساء بتحسن كبير في الحالة المزاجية وزيادة في الرغبة الجنسية خلال هذه الفترة.
-
الثلث الثالث من الحمل (الأسابيع 29-40): مع كبر حجم البطن وزيادة الوزن، والشعور بالإرهاق مرة أخرى، وصعوبة إيجاد أوضاع مريحة للجماع، تميل الرغبة الجنسية إلى الانخفاض مرة أخرى. وتصبح الأولوية للراحة والاستعداد للولادة.
الفصل الرابع: نصائح وإرشادات للتعامل الآمن والمريح
الاستمتاع بعلاقة حميمة آمنة أثناء الحمل ممكن، بل ومفيد في كثير من الأحيان، ولكن مع مراعاة بعض الأساسيات الهامة.
-
أهمية التواصل المفتوح والصادق: إن الحوار المستمر بين الزوجين حول المشاعر، الرغبات، والمخاوف هو حجر الزاوية. يجب أن تشعر المرأة بالأمان للتعبير عن احتياجاتها وما يزعجها، وأن يكون الشريك متفهمًا وداعمًا.
-
استشارة الطبيب المختص: قبل الاستمرار في ممارسة العلاقة الحميمة، من الضروري استشارة الطبيب للتأكد من عدم وجود أي موانع طبية، خاصة في حالات معينة مثل:
-
وجود تاريخ من الإجهاض أو الولادة المبكرة.
-
حدوث نزيف مهبلي غير مبرر.
-
وجود مشاكل في المشيمة.
-
-
اكتشاف أوضاع مريحة: مع تقدم الحمل وكبر البطن، يصبح من الضروري تجربة أوضاع جديدة مريحة للمرأة ولا تشكل ضغطاً على بطنها.
-
التركيز على البدائل والعاطفة: إذا كانت العلاقة الجنسية الكاملة غير مريحة أو غير مرغوب فيها، فيمكن للزوجين التركيز على أشكال أخرى من التقارب العاطفي والجسدي مثل المداعبة، التدليك، والعناق، التي تعزز التواصل دون جماع.
الخلاصة: كل تجربة هي فريدة
في النهاية، من المحوري أن نذكر أن تجربة الحمل، بما فيها من تقلبات في الرغبة الجنسية، هي تجربة شخصية للغاية. لا يوجد نمط واحد ينطبق على جميع النساء. ما تعيشه امرأة قد يختلف تماماً عما تعيشه أخرى. الاحترام، التفاهم، والصبر هما مفتاحا اجتياز هذه الرحلة الجميلة والمعقدة بكامل أمان وسلام.






.jpg)



















تعليقات :0